الحرب العالمية الثانية
نطلقت شرارتها الأولى في
مارس/آذار 1938 بغزو هتلر للنمسا، ودخلتها الولايات المتحدة الأميركية بعد الهجوم
الياباني على أسطولها في المحيط الهادي، استمرت ست سنوات واستعمل فيها السلاح
الذري لأول مرة في التاريخ، وحصدت أرواح 17 مليونا من العسكريين وأضعاف ذلك من
المدنيين.
الأسباب
قد
تبدو الأسباب الظاهرة للحرب العالمية الثانية منحصرة في تصرفات ألمانيا النازية،
واحتلالها لمناطق من أوروبا واعتداءاتها على بلدان عديدة، لكن معظم الدارسين
يعتبرون ذلك مجرد نتيجة أفرزتها الأسباب الموضوعية للحرب.
ويعتبر
باحثون كثر أن الحرب العالمية الثانية ابنة شرعية للحرب العالمية الأولى، وأنها
نتيجة طبيعية لتسويات ما بعد الأولى التي غيرت رسم خريطة العالم وخاصة أوروبا.
ويعددون
جملة من الأسباب أهمها تضمين معاهدة فرساي سنة 1919 بنودا عقابية لألمانيا، خسرت
بموجبها 12.5% من مساحتها و12% من سكانها، وحوالي 15% من إنتاجها الزراعي و10% من
صناعتها و74% من إنتاجها من خام الحديد.
كما
ألزمتها بدفع تعويضات كبيرة للحلفاء، وحدت من قدراتها وإمكاناتها العسكرية بنصها
على أن لا يزيد الجيش الألماني على مائة ألف جندي.
ويضيف
هؤلاء سببا آخر يتمثل في ظهور النازية بألمانيا في يناير/كانون الثاني 1933،
والفاشية بإيطاليا في أكتوبر/تشرين الأول 1922، وقيام حلف بينهما عرف بدول المحور،
انضمت إليه اليابان بعد ذلك.
البداية
كان
احتلال هتلر للنمسا في مارس/آذار 1938 وتشيكوسلوفاكيا في العام الموالي وبولندا في
سبتمبر/أيلول 1939 ثم تهديد إيطاليا بغزو ألبانيا، سببا مباشرا في إعلان بريطانيا
وفرنسا الحرب على دول المحور.
واشتعلت
الحرب في أوروبا وكان الجيش الألماني متقدما على جميع الجبهات الأوروبية، حيث احتل
أغلب الدول ودخل باريس، إلا أن مهاجمته للاتحاد السوفياتي في يونيو/حزيران 1941
جعلته يترك ظهره مكشوفا للبريطانيين.
ولم
تدخل الولايات المتحدة الأميركية الحرب في البداية إلا أنها فرضت حظرا بتروليا على
اليابان ومنعت تصدير الحديد إليها، فقامت اليابان في السابع من ديسمبر/كانون الأول
1941 بمهاجمة الأسطول الأميركي في المحيط الهادي بميناء بيرل هاربر بجزر هاواي،
فدخلت الولايات المتحدة الحرب ضد دول المحور.
وقد
كانت الولايات المتحدة اعتمدت في عشرينيات القرن التاسع عشر الميلادي ما عرف
بـ"مبدأ مونرو" أو مبدأ الحياد، وهو إعلان أطلقه الرئيس الأميركي جيمس
مونرو سنة 1823، نص على ضرورة عدم مد الدول الأوروبية نفوذها الاستعماري نحو
أميركا، والتزام الولايات المتحدة من جانبها بعدم التدخل في المشكلات أو العلاقات
الأوروبية.
أهم المعارك والمحطات
شهدت
الحرب العديد من المعارك التي شكلت محطات أساسية فيها، وكان لها تأثيرها في مسارها
ونتائجها، كما هو الحال في معارك ستالينغراد، وميداو، والعلمين، وإنزال
النورماندي، وإلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناغازاكي.
معركة ستالينغراد
تعتبر
إحدى أهم المعارك الكبرى الفاصلة في الحرب العالمية الثانية، وقد جرت في مدينة
ستالينغراد -المدينة التي عرفت فيما بعد بـ"فولغوغراد"- خلال الحملة
العسكرية الألمانية على الاتحاد السوفياتي، واستمرت حوالي ستة أشهر بين أغسطس/آب
1942 وفبراير/شباط 1943.
هاجمت
ألمانيا المدينة بسلاح الجو ثم دخلتها بعد أن حولتها إلى أنقاض، فاحتدم القتال
داخلها بشكل عنيف مع الجيش الأحمر، وتمكن الألمان من إخضاع أغلب مناطق المدينة،
لكنهم فشلوا في كسر آخر الخطوط الدفاعية للجيش الأحمر بالضفة الغربية لنهر
الفولغا.
وفي
نوفمبر/تشرين الثاني 1942، شن الجيش الأحمر هجومين متزامنين وتمكن من محاصرة
وتطويق حوالي 250 ألفا من القوات الألمانية، وفي ظل عجز الألمان عن توفير التموين
لجنودهم انهارت قواتهم واستسلم القائد فريدريك باولوس في 2 فبراير/شباط 1943 ومعه
أغلب قوات الجيش السادس.
وبلغت
الخسائر البشرية في المعركة حوالي مليون شخص، مما جعلها إحدى أكثر المعارك دموية
في تاريخ الحروب.
معركة ميدواي
جرت
في شهر يونيو/حزيران 1942 بعد ستة أشهر من الهجوم الياباني على الأسطول الأميركي
في "بيرل هاربور"، وقد تمكنت القوات البحرية الأميركية خلالها من صد
هجوم قوات البحرية الإمبراطورية اليابانية على جزيرة "ميداوي"، وإلحاق
الضرر بالأسطول الياباني.
واعتبرها
المؤرخ العسكري جون كيغان "الضربة الأكثر روعة وحسما في تاريخ الحروب
البحرية".
معركة العلمين
جرت
في نوفمبر/تشرين الثاني 1942 على الأراضي المصرية بين القوات الألمانية والإيطالية
بقيادة إرفين رومل، والقوات البريطانية بقيادة برنارد مونتغمري.
وكانت
من أهم معارك الدبابات على مدار التاريخ، فبعد انتصار القوات الألمانية في معارك
الصحراء استطاعت القوات البريطانية هزيمة قوات المحور في هذه المعركة وطردها،
وهُزم القائد الألماني الأكثر شهرة رومل فبدأت هزيمة دول المحور تلوح في الأفق.
الإنزال بالنورماندي
في السادس من
يونيو/حزيران 1944 قامت قوات الحلفاء بقيادة الجنرال الأميركي دوايت آيزنهاور
بإنزال عسكري في شمال فرنسا على شاطئ النورماندي، وأُنزِلَ أكثر من مائتي ألف
جندي، أغلبهم من الأميركيين والبقية من بريطانيا وكندا وفرنسا.
وتُعَدُّ
العملية أكبر إنزال عسكري في القرن العشرين، ومكنت من تحرير المنطقة من الجيش
الألماني، وبلغت الخسائر في الطرفين ثلاثة آلاف قتيل، وستة آلاف من الجرحى والأسرى
والمفقودين.
وبعد
الهزائم التي تعرض لها الألمان في هذه المعركة دخل الحلفاء ألمانيا في
ديسمبر/كانون الأول 1944، وأعدم الثوار الإيطاليون "موسوليني" وعلقوه من
قدميه في أحد أعمدة الإنارة بميلانو، وانتحر هتلر يوم 30 أبريل/نيسان 1945
فاستسلمت ألمانيا.
القنبلة الذرية ونهاية الحرب
رغم
استسلام ألمانيا بقي اليابانيون يقاومون، ولم تتوقف الحرب بشكل نهائي إلا بعد قصف
مدينتي هيروشيما وناغازاكي بقنبلتين ذريتين شكلتا أول استخدام للقنابل الذرية في
التاريخ.
وقد
ألقيت الأولى "الولد الصغير" على مدينة هيروشيما في 6 أغسطس/آب 1945،
وكانت قنبلة يورانيوم تزن أكثر من 4.5 أطنان، وأخطأت الهدف قليلا وسقطت على بعد
800 قدم منه.
وبعد
دقيقة واحدة من إسقاطها فقد 66 ألف شخص أرواحهم، وجرح 69 ألفا بسببها.
وألقيت
الثانية "الرجل البدين" على مدينة ناغازاكي في 9 أغسطس/آب 1945، وكانت
قنبلة بلوتونيوم، أسقطت وسط ناغازاكي، وفي لحظة واحدة قُتل 39 ألفا،
وجُرح 25 ألفا من سكان المدينة.
وإثر
ذلك وقّعت اليابان وثيقة الاستسلام بدون قيد أو شرط يوم 2 سبتمبر/أيلول 1945،
وبعدها بثلاثة أيام رفع العلم الأميركي فوق طوكيو.
الخسائر البشرية والنتائج
السياسية
انتهت
الحرب العالمية الثانية بعد ست سنوات من القتال الشرس، خسرت فيها البشرية حوالي 17
مليونا من العسكريين وأضعاف ذلك من المدنيين.
وكانت
إحدى نتائجها انتصار دول الحلفاء على دول المحور، لكن استخدام الولايات المتحدة
القنبلة الذرية في الحرب لإرغام اليابان على الاستسلام فتح باب التسابق
المحموم لامتلاك أسلحة الدمار الشامل.
وعلى
المستوى السياسي كان من أبرز نتائجها تشكيل خريطة القوى الدولية الجديدة بعد الحرب
وبروز الولايات المتحدة الأميركية فاعلا رئيسيا في النظام الدولي الجديد، وإنشاء
هيئة الأمم المتحدة لتكريس الخريطة الجديدة.
وقد
حاولت أميركا من خلال الأمم المتحدة، مواجهة القوى الأوروبية الصاعدة التي يمتد
نفوذها وراء البحار (بريطانيا وفرنسا تحديدا) والاتحاد السوفيتي الذي أخذ نفوذه
يتسع.
ومن
خلال المنظمة الدولية ستملك أميركا -وفق هذا المنظور- آلية للمنافسة مع هذين
العملاقين اللذين يجب احتواؤهما داخل إطار المجتمع الدولي.
ولتقليص
الدور الأوروبي، شجعت الولايات المتحدة حق تقرير المصير للمستعمرات، كما ساهم
مشروع مارشال -الذي وضعته لإعادة بناء أوروبا المدمرة- في إبقاء هذه الدول مدينة
للولايات المتحدة، إضافة إلى إسهامه في إشراك النفوذ الأميركي في صياغة النظم
السياسية والتأثيرات الحربية المباشرة في أوروبا.
.